فيصل المعمري
تجربة: وظيفة براتب أقل
ربما من أهم التجارب التي مررت بها في مشواري المهني هي تجربة الإنتقال من الوظيفة القديمة إلى أخرى براتب أقل. ما زلت أتذكر اليوم الذي سألت نفسي فيه هذا السؤال: “هل بعد سنوات طويلة من الآن، تريد أن تكون في نفس هذا المكان؟”. كانت الإجابة واضحة بالنسبة لي (لا).
وظيفتي القديمة كانت في شركة إسمها (Schlumberger) وهي شركة تعمل في مجال النفط والغاز، كانت مرهقة جداً لي ولكن براتب ممتاز جداً. كان تقريباً من غير الممكن الحصول على وظيفة براتب يساوي ما كنت أتقاضاه لذلك قررت أن أتنازل عنه وأقبل براتب أقل في مكان آخر. أسباب الخروج كثيرة لكن سأكتفي بذكر أحدها وهو جدول العمل المضغوط. كنت أعمل أحياناً لمدة ثمانية أسابيع متواصلة في أحد حقول النفط (في الصحراء ) دون أن أحصل على يوم واحد للراحة. في كثير من الأحيان كنت أعمل ليلاً وأنام نهاراً. بالنسبة لي، الحياة أجمل من أقضيها بهذا الشكل من أجل راتب شهري.
أريد أن أشير إلى أن الخروج من الوظيفة القديمة لم يكن أمراً سهلاً. ليس من السهل أن تتعود على دخل شهري معين ثم تجد نفسك مضطراً للتعود على دخل أقل. كانت هذه الفكرة منتشرة بين موظفي الشركة لذلك كانت الإستقالات قليلة. في مرة من المرات، إستقال صديق لي ولكنه عاد بعد أقل من سنة وبرر ذلك لعدم إستطاعته التأقلم مع الراتب الجديد الأقل.
بالنسبة لي، لم أكن أتوقع أن حماسي للخروج سيقودني للإستقالة حتى قبل أن أجد وظيفة جديدة. نعم، إستقلت وجلست في البيت أربعة شهور حتى وجدت وظيفة جديدة. راتبي الجديد كان أقل بما يزيد عن 500 ريال، أي أكثر من 1300 دولار. هذا جنون، لا يمكن وصف هذا القرار بالمنظور المتعارف عليه للوظيفة والراتب الشهري إلا بالجنون. لكن إن غيرنا هذا المنظور بمنظور آخر يهتم بتفاصيل أكثر عند إختيار الوظيفة، لكان هذا القرار هو رأس الصواب.
هذا الكون قائم على التكيف، حيوانات ونباتات الأماكن الباردة تتكيف مع محيطها بطريقة تختلف عن حيوانات ونباتات المناطق الحارة. مثلاً، حيوانات المناطق الباردة لديها فرو أكثر وجلدها سميك، نباتات المناطق الحارة أوراقها تتشكل بطريقة معينة لتقلل من تبخر السوائل منها. الإنسان هو الآخر مخلوق يتكيف مع محيطه، سكان الأرض يختلفون في صفاتهم من منطقة جغرافية إلى أخرى. في الحقيقة، الطبيعة ليست الشيء الوحيد الذي يتكيف معه الناس، من وجهة نظري الإنسان يتكيف ويعدل في طريقة حياته إن حدث تغيير في دخله الشهري، أو تغيير في أي شيء آخر. هذا ما نجحت فيه أنا وفشل فيه معظم من كان معي في الوظيفة السابقة (التكيّف).
مع وظيفتي الجديدة وراتبي الأقل، تكيفت بسهولة ولم يحدث أي تغيير سلبي في نمط حياتي، ما حدث أن هذا التغيير كان إيجابياً جداً وتعلمت منه الكثير. معظم من كانوا في الشركة السابقة توقعوا عودتي بعد فترة قصيرة لذلك كانوا يتصلون بي بين فترة وأخرى لأعود لهم مرة أخرى لكن في كل مرة كنت أرفض العودة. إستطعت تعويض الفارق في الراتب وأنا الآن في وضع ممتاز الحمدلله. بعد هذه التجربة أستطيع أن أنصحك بالتالي:
◊− سلَّم الأولويات: في العادة ينصب جل تركيزنا في الراتب الشهري عند إختيار أي وظيفة. تأكد أن هناك أشياء أخرى تستحق أن تعطيها نفس التفكير الذي تعطيه للراتب، كبيئة وجدول العمل مثلاً.
◊− بيئة العمل: أفضل تغيير حدث لي مع وظيفتي الجديدة هو بيئة العمل. بعد تجربتي، أستطيع أن أؤكد لك أن بيئة العمل لا تقل أهمية عن الراتب بل قد تكون أكثر أهمية أحياناً. الراحة النفسية التي وجدتها في وظيفتي الجديدة تجعلني أحمد الله على قراري بترك وظيفتي القديمة. ضع -بيئة العمل- ضمن أولوياتك عند إختيار الوظيفة.
◊− جدول العمل: في وظيفتي الجديدة أنا أعمل 14 يوم وأحصل على 14 يوم إجازة. هذه ميزة رائعة حقاً، أصبح لدي وقت لهواياتي ونشاطاتي الأخرى غير المتعلقة بالعمل. جدول العمل شيء آخر يجب عليك التفكير فيه قبل تغيير وظيفتك لوظيفة أخرى.
هذه كانت تجربتي مع تغيير الوظيفة لأخرى براتب أقل. لم أندم ولا للحظة واحدة على خروجي من وظيفتي القديمة. هناك أشياء كثيرة يجب أن تكون موجودة في سلَّم أولويات الشخص عند إختيار الوظيفة كبيئة ومكان وجدول العمل. أتمنى أن تستفيد من هذه التجربة عزيزي القارئ.